قبل بضعة أيام من إلغاء إطلاق AsiaSat 6 من SpaceX من قِبل إلون ماسك بهدف „مراجعة كل أوضاع الفشل المحتملة وأعراضه مجدداً”، أرسل مخترع آخر يسعى إلى اجتياح الفضاء مركبته الفضائية البديلة المؤقتة إلى مسافة 97000 قدم في الفضاء القريب، حيث تحطمت بعد اصطدامها بطبقة غلاف الأرض الجوي المستقرة قبل أن تهبط في أحد حقول أوريغون على بعد 60 ميلاً فقط من منصة الإطلاق الأصلية.
وكانت هذه إشارة واضحة على أن سباق الفضاء، الذي كان ذات يوم حكراً على الحكومات القوية والصناعات الرائدة، أصبح بمتناول أفراد يملؤهم الفضول استمدوا قدراتهم من مكونات الكمبيوتر والأجهزة التي يمكن الحصول عليها بسهولة من المتاجر المنتشرة في كل مكان.
ليست Arduino، وIntel Galileo وحتى Raspberry Pi سوى بعض المركبات الطائرة القابلة للبرمجة والمحمّلة بالبيانات التي يطلقها الصانعون إلى الفضاء اليوم لإجراء اختباراتهم العلمية الخاصة في الفضاء القريب.
بالمقارنة بالمركبتين الفضائيتين Falcon 9 وDragon من SpaceX، فإن اختراع جامل طيّب المصنوع يدوياً هو أشبه بمنطاد هليوم مزود بإطار طائرة ورقية مكشوف يتدلى بواسطة حبل. لكن كل هذه المركبات الفضائية أظهرت مجتمعةً مدى سرعة تطور استكشاف الفضاء خارج نطاق المهمات التي تنجزها وكالة NASA في الفضاء الخارجي.
ومنذ سنتين فقط دخلت Falcon 9 التاريخ عندما رفعت المركبة الفضائية Dragon إلى المدار لتلتقي بمحطة الفضاء الدولية. كانت المرة الأولى التي تزور فيها شركة تجارية المحطة الفضائية.
ويقول طيّب، الذي يعمل محللاً تقنياً في مجموعة إنتل للخدمات والبرامج، „لم يصبح السفر إلى الفضاء بسهولة التنقل على متن الحافلة بعد”.
„لكن أصبح من المعقول تماماً اليوم أن نحلق في السماء وأن نسترق النظر، فعلياً، إلى شواطئ المحيط الكوني، كما يقول كارل ساغان. أصبح باستطاعتنا النزول إلى ذلك المحيط حتى كاحلينا، ثم العودة إلى شاطئه سالمين”.
وهذا ما فعله طيّب في 20 أغسطس. فقد سمح له المنطاد الذي اخترعه والذي يعمل بفعل عناصر الطقس، بعد تزويده بجهاز كمبيوتر قام هو ببرمجته، بالتقاط بيانات جوية ثم العودة إلى الأرض.
ازدادت شعبية التحليق بالمناطيد إلى ارتفاعات عالية بعد أن أخذ الصانعون المحترفون والمبتدئون على عاتقهم بناء مركبة فضائية مشغّلة بواسطة الكمبيوتر. وفي شهر أبريل الماضي، تنافس 17 بلداً في إطار تحدي المناطيد الفضائية العالمي.
„أفضل ما يميّز التحليق بالمناطيد إلى ارتفاعات عالية هو أنه مشروع بمتناول الجميع، بغض النظر عن مستوى الخبرة”، بحسب ما كتُب في Maker Magazine، التي غطت فعاليات التحدي الدولي. „بنت غالبية الفرق المشتركة حمولات مركباتها باستخدام Arduinos وRaspberry Pi المتصلة بأجهزة استشعار، والهواتف الذكية/الأجهزة اللوحية المزودة بتطبيقات تسجيل البيانات، والكاميرات المشغّلة ببطاريات عالية السعة، وأجهزة التعقب المستندة إلى أنظمة تحديد المواقع العالمية والمتوفرة في المتاجر العادية، وقطع الغيار المطبوعة بتقنية الأبعاد الثلاثية”.
بالنسبة إلى طيّب، فإن صنع منطاد فضائي يدوياً والتقاط صوره الخاصة لنتوءات الأرض كان حلم طفولة استحال حقيقة.
وكانت لديه أيضاً حوافز أخرى مذهلة.
يقول طيّب „أردت إنشاء مخطط يمكن للطلاب والأكاديميين إعادة استخدامه”.
تمرّن أولاً على المنظم المصغّر Arduino MEGA 2560، ثم انتقل إلى لوحة Galileo لبناء مركبته الفضائية النهائية. بعد شهرين من ترميز البرامج واختبار البطارية وأجهزة الكمبيوتر المشغّلة على الطاقة الشمسية، ثم التعاون مع الآخرين لتجميع المركبة، أصبح طيّب جاهزاً لإطلاقها في منطقة واسعة وغير مسكونة على طول حلق نهر كولومبيا في أوريغون.
احتاج إلى مساعدة 10 أشخاص تقريباً للوصول إلى تلك النقطة، بمن فيهم أصدقاء وزملاء في العمل، بالإضافة إلى جوزيف مايدل، وهو مراقب طيران لدى المحطة الفضائية الدولية في مركز جونسون الفضائي التابع لوكالة NASA ومؤسس High Altitude Science.
بلغ وزن المركبة التي صنعها طيّب أقل من أربعة باوندات، أي أقل بقليل مما تفرضه أنظمة إدارة الطيران الفدرالية، وتجنّب بذلك ضرورة التسجيل للحصول على إذن للإطلاق.
„بلغ وزن المنفاخ 1,3 باوند، ووزن المنصة 1,2 باوند، ووزن الحمولة 1,5 باوند”، بحسب ما قاله.
„استخدمنا عدّة Eagle Pro للفضاء القريب كمنصة إطلاق لمركبتنا. بالإضافة إلى كمبيوتر Eagle Flight، استخدمنا لوحتين من لوحات Intel Galileo”.
تم تثبيت إحدى لوحتَي Galileo على الإطار الخارجي، „بهدف تخليد الحدث”، كما قال.
وقد خُصصت لوحة الكمبيوتر Galileo الثانية
لما يُسمى حمولة المركبة، وتم احتواؤها في غلاف واقٍ من الستايروفوم للتركيز على التقاط معلمات الرحلة مثل درجة الحرارة والضغط والارتفاع.
لمن تهمهم معرفة الوقائع، شارك طيّب بعض التفاصيل حول حمولة المركبة: استخدم منظماً مصغّراً من نوع Intel Galileo (من الجيل الأول)، وبطارية LiPo سعة 10200 ملي أمبير لكل ساعة، ومعزز طاقة من نوع DC-DC، ووحدة تسجيل بيانات من نوع uMMC، وجهاز استشعار من نوع MS5607. تم وضع كمبيوتر Eagle Flight، المصمم لاحتمال درجة حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية، في المنصة من دون وقاية حرارية. وتم اعتباره جهاز كمبيوتر احتياطياً مسانداً، يكمن دوره في التقاط الموضع والاتجاه والسرعة.
[ملاحظة المحرر: سيشارك هذا المنطاد الفضائي في نشاط Ultimate MakerSpace ضمن فعاليات منتدى إنتل للمطورين الذي يتم تنظيمه في سان فرانسيسكو من 9 إلى 11 سبتمبر.]
تم تثبيت جهازَي كاميرا فيديو من نوع GoPro على الإطار، بهدف التقاط صور للرحلة بجودة عالية الدقة.
والتقط جهازا الكاميرا معاً أكثر من خمس ساعات من الفيديو، أي ما يعادل حوالى 11 غيغابايت من بيانات الفيديو.
ويقول „يتم تسجيل كل ما يجري على متن المركبة بواسطة كل نظام فرعي؛ أي أجهزة الكمبيوتر والكاميرات وأجهزة تسجيل البيانات وغيرها”. „ثم عليك استعادة المنصة بنجاح لاستخراج البيانات”.
قال إنه من المستحيل عرض المعلومات في الوقت الحقيقي أو في الوقت الحقيقي الوهمي أثناء تحليق المركبة، لأنه حتى في حال الحصول على ترخيص من إدارة لجنة الاتصالات الاتحادية، فسيتخطى عرض النطاق المطلوب ما هو متوفر للصانعين اليوم.
أطلق طيّب مركبته في 20 أغسطس بعد الساعة الثانية بعد الظهر. بعد رحلة دامت 3 ساعات عبر المسار النفاث، أمضى فريق العمل بعد عملية الإطلاق أسابيع في مراقبتها، حلّقت المركبة في الفضاء القريب بشكل مؤقت قبل أن تعود وتسقط باتجاه الأرض، الأمر الذي لم يستغرق أكثر من ساعة.
وقال „كنا نتلقى بيانات من نظام تحديد المواقع العالمي كل 10 دقائق”. لكنه كان مضطراً إلى انتظار هبوط المركبة قبل أن يتمكن من الاطلاع على البيانات الجوية التي جمعتها أجهزة الكمبيوتر الموجودة على متنها.
وقد هبطت المركبة على بعد 60 ميلاً من نقطة الإطلاق، ما جعل طيّب فخوراً بما أنجزه. لكنه بعد أن تمكن من تحديد موقع مركبته وسط حقل واسع من العشب اليابس، تبيّن أن الحمولة مفقودة.
.
شعر طيّب بخيبة أمل إنما لم تثبط عزيمته، واعتبر أن مهمته لاقت نجاحاً ساحقاً.
وبحسب قوله „إن العلوم مجال مثير للاهتمام حقاً”. „يستطيع أي فريق تحقيق أمور مذهلة، إذا ما توفرت له المساعدة المناسبة والمطلوبة. وقد أيقظ ما صنعته ذلك الحالم في داخلي”.
يقول طيّب، الذي يؤلف كتاباً يتضمن وصفاته الخاصة ليتمكن الآخرون من صنع مركبة فضائية مشغّلة بواسطة Galileo، إن أي شخص قادر على اختبار النظريات العلمية وقوانين الفيزياء بنفسه. وإليكم النصائح الخمسة التي أوصى بها:
- السر في التحضير. أعدّ لرحلتك مسبقاً. أعدّ لاستعادة مركبتك مسبقاً. أعدّ لحمولة مركبتك وجهاز الإطلاق مسبقاً. كلّما قلّ
- الارتجال، زادت فرص نجاحك. اطلب مساعدة الصانعين المحترفين في حال الشك.
- فقد يطرأ خطب ما! مهما كنت مستعداً، فستواجه دائماً أحداثاً أو سلوكات غير متوقعة للأجهزة والبرامج.
- لن تجد أحداً هناك في الأعلى ليعيد تحميل / تشغيل الشفرة التي وضعتها، لذا اجعلها مرنة قدر الإمكان.
- السلامة أولاً! في حال علقت المنصة في موقع خطر، فلا تحاول استعادتها بنفسك؛ ولا تسمح لنفسك بالتأثر بحمى استعادة
- البيانات. اطلب بدلاً من ذلك المساعدة من الخدمات الاحترافية المناسبة.
- ولإنجاح عملية الاستعادة، كُن منهجي الفكر، ولا تتحمّس قبل أن تتحقق من بيانات نظام تحديد المواقع العالمي. استخدم
- Google Earth لتحديد مسار الهبوط الأسهل. تمنحك صور الأقمار الصناعية فكرة واضحة عن العوائق التي قد
- تواجهها، بحيث تأخذ بالاعتبار وجود الأشجار أو المسطحات المائية، وغيرها.